من هم المماليك ومن أين جاؤوا؟
تُعتبر فترة حكم المماليك من الفترات الهامة في تاريخ العالم الإسلامي، إذ مرت بعدد من التحولات الاجتماعية والسياسية التي أثرت في العديد من الأبعاد التاريخية. بدأ المماليك كمجموعة صغيرة من الجنود الذين جلبهم الحكام العباسيون والسلطنة الأيوبية، ولكنهم تحوَّلوا فيما بعد إلى قوة سياسية وعسكرية مؤثرة في مصر والشام. سنغوص في تفاصيل تاريخ المماليك، من حيث نشأتهم، وصولهم إلى السلطة، وطبيعة حكمهم، إضافة إلى آثار حكمهم على المنطقة العربية والإسلامية.
المماليك: من هم؟
المماليك هم جنود غير عرب، كانوا يتم جلبهم في الأصل من المناطق الواقعة في وسط وشرق أوروبا وآسيا. تعود الكلمة “مملوك” إلى اللغة العربية وتعني “العبد” أو “الملكية” حيث كان هؤلاء الجنود يُشترون ويُحاربون في صفوف الجيوش.
لم يكن المماليك في البداية أصحاب أراضٍ أو مناصب في المجتمع، بل كانوا عبيداً يُستقدمون لخدمة الحكام. عادة ما كان يتم أخذهم من المناطق الواقعة في ما يعرف الآن بدول مثل تركيا، القوقاز، البلقان، أو من مناطق في أسيا الصغرى وغيرها. وعادة ما كانوا يُجلبون عن طريق تجار العبيد الذين كانوا يستوردونهم من الأراضي التي تَشْتهِر بالعبيد الأقوياء أو المدربين تدريبًا عسكريًا.
أصولهم الجغرافية والتاريخية
كان المماليك في البداية جُلبوا من مناطق متعددة في العالم الإسلامي أو خارجه. على سبيل المثال، كان المماليك الذين خدموا في جيش الخلفاء العباسيين يتم جلبهم أساسًا من بلاد القوقاز وروسيا الشرقية وبعض المناطق المجاورة لها مثل جورجيا وأرمينيا. من جهة أخرى، استُورد بعض المماليك من مناطق مثل شرق البحر الأسود، وآسيا الوسطى، وغيرها من الأراضي التي كان يُقدَّر أن هؤلاء الجنود يتمتعون بقدرات قتالية استثنائية.
عندما جاء المماليك إلى مصر، كانت المنطقة قد خضعت للحكم الأيوبي في عهد صلاح الدين الأيوبي، وكانوا في الغالب يُستخدمون كجنود في جيش الأيوبيين. هؤلاء الجنود كانوا يتمتعون بمهارات قتالية عالية، وفيما بعد أصبحوا جزءًا أساسيًا من النخبة العسكرية في الدولة.
تاريخ وصولهم إلى السلطة
قبل أن يصل المماليك إلى مرحلة الحكم، كانوا مجرد جنود مستأجرين في جيوش الحكام. بدأوا في تكوين نفوذ سياسي وعسكري داخل جيوش حكامهم الأيوبيين، حتى وصلوا إلى مرحلة من القوة التي مكنتهم من تغيير مجريات الأحداث السياسية في مصر والشام.
في البداية، كان المماليك في الخدمة تحت راية الحكام الأيوبيين الذين أسسوا دولتهم في مصر بعد انتصارهم على الصليبيين في معركة حطين عام 1187م. ولكن مع مرور الوقت، بدأت تزداد قوتهم السياسية والعسكرية، الأمر الذي أدى إلى تنازعهم مع بعضهم البعض داخل الجيوش الأيوبية.
في عام 1250م، شهدت مصر حدثًا تاريخيًا فارقًا في تاريخ المماليك، حيث تمكَّن المماليك من استلام السلطة بعد معركة المنصورة الشهيرة، حيث كانت الصراعات على السلطة بين المماليك وبعض القادة الأيوبيين قد وصلت إلى ذروتها، مما أدى إلى نهاية الحكم الأيوبي في مصر. فبعد قتل الملك شجر الدر، تولى المماليك مقاليد الحكم وأسسوا سلطنتهم الخاصة التي استمرت لعدة قرون.
أنواع المماليك: المماليك البحرية والمماليك البرية
يُصنف المماليك إلى نوعين رئيسيين: المماليك البحرية والمماليك البرية.
-
المماليك البحرية: كانوا أول من تولى الحكم في مصر بعد سقوط الدولة الأيوبية. وُسموا بالمماليك البحرية لأنهم كانوا يتم تدريبهم في جزيرة “فرغانة” التي كانت مركزًا لتدريب الجنود في البحر الأحمر. هؤلاء المماليك كانوا يرتبطون بالدولة البحرية التي كانت تحكم من قبل بحرية البحر الأحمر.
-
المماليك البرية: نشأ هذا الفرع من المماليك في وقت لاحق بعد ضعف المماليك البحرية. كانوا يستندون إلى القتال البري والاعتماد على الصحراء. عُرف هؤلاء المماليك بقدرتهم على الاستفادة من الأرض، مما مكنهم من ترسيخ قوتهم على المدى الطويل.
الهيكل السياسي والإداري للمماليك
عند استلامهم الحكم، قام المماليك بإعادة تنظيم الهيكل الإداري والعسكري لمصر. كانت سلطتهم تعتمد على مجموعة من المبادئ السياسية العسكرية، وكانت السلطة العليا بيد السلطان المملوكي الذي كان يُعين عادةً من قبل كبار القادة العسكريين المماليك. هؤلاء القادة العسكريون كانوا يتنافسون فيما بينهم على الوصول إلى منصب السلطنة.
كان النظام السياسي المملوكي يقوم على سياسة “التملك والتوريث” حيث كان الأعيان والمماليك يتنافسون على السلطة التي كانت تتوارث بشكل غير منتظم، وهذا أدى إلى حدوث العديد من الصراعات الداخلية في الساحة السياسية.
كان المماليك يميلون إلى تعزيز قوتهم من خلال بناء قلاع وحصون محصنة على طول البحر الأحمر، بالإضافة إلى تحسين تجهيزاتهم العسكرية. كانوا أيضًا يتحكمون في التجارة البحرية والنقل داخل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، مما جعلهم قوة اقتصادية وسياسية هامة.
الإنجازات الثقافية والعمرانية للمماليك
على الرغم من أن فترة حكم المماليك كانت مليئة بالصراعات الداخلية والحروب المستمرة، إلا أن تلك الفترة شهدت العديد من الإنجازات الثقافية والعمرانية الهامة. فمن الناحية الثقافية، اهتم المماليك بالعلوم والفنون، وقد أسسوا العديد من المدارس والمكتبات، كما قاموا بتطوير الأدب والطب.
من الناحية العمرانية، ترك المماليك إرثًا معماريًا ضخمًا في مصر والشام. من أبرز المعالم التي شيدها المماليك هي جامع السلطان حسن، ومدارس وقلاع القاهرة التي تُعد من أبرز الأمثلة على العمارة الإسلامية في تلك الفترة.
سقوط الدولة المملوكية
رغم قوة المماليك في فترات مختلفة من تاريخهم، إلا أن الدولة المملوكية تعرضت للعديد من التحديات التي ساهمت في انهيارها. في بداية القرن السادس عشر، بدأ النفوذ العثماني يزداد في المنطقة، وبدأ العثمانيون بالتوسع تدريجيًا إلى مصر. في عام 1517م، تمكن السلطان العثماني سليم الأول من غزو مصر وضمها إلى الدولة العثمانية، مما أدى إلى سقوط الدولة المملوكية بشكل رسمي.
أثر المماليك في التاريخ الإسلامي والعربي
لقد ترك المماليك إرثًا كبيرًا في التاريخ الإسلامي والعربي. من ناحية، كانوا القوة العسكرية والسياسية التي ساندت العالم الإسلامي في معركة حاسمة ضد الغزو المغولي، وخصوصًا في معركة عين جالوت الشهيرة في عام 1260م. من ناحية أخرى، أحدث المماليك تحولًا في حياة مصر من الناحية الاقتصادية، الاجتماعية، والعمرانية، وكان لهم تأثير طويل الأمد في المنطقة.
ورغم أن حكمهم قد انتهى بعد سيطرة العثمانيين على مصر، إلا أن آثارهم الثقافية والمعمارية لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
